كان ضوء الصباح لا يزال يحاول الظهور متحديا كتل السحاب ومتسللاً بين
أغصان الأشجار وجدران مباني مدينة الملاهي التي بدت كحديقة كبيرة مهجورة في
ذلك الوقت من النهار. لا زبائن في هذا الوقت، فقط عامل نظافة يجمع بقايا
القمامة التي ألقاها رواد المدينة في اليوم السابق، ورجلان يسيران في نشاط
نحو "بيت الرعب" -لعبة القطار الشهيرة التي يدخل راكبها في أماكن مظلمة
ويشاهد بعض التماثيل والألعاب المتحركة مع قليل من الأصوات المخيفة
والمؤثرات الضوئية.
لعبة تتصف بالسذاجة في نظر الكثيرين، ولكنها مع
ذلك من أكثر الألعاب نجاحا في أي مدينة ملاه. لماذا يحبها الأطفال بجنون
وينتظرون في طوابير طويلة من أجلها؟ وهل يمكن أن تكون زيارة مدينة الملاهي
تامة بدون دخول بيت الرعب أيا ما كان اسمه في تلك المدينة؟ وهل هناك مدينة
ملاهي تحترم نفسها لا يوجد بها مكان لإرعاب الزوار؟
استمر الرجلان
في السير، حتى وصلا إلى باب اللعبة. فتح الأول الباب بمفتاح معه وقال: هيا
بنا، أمامنا عمل طويل في إصلاح تلك الآلة التي طلبونا من أجلها". تثاءب
الثاني، واختلط كلامه بصوت التثاؤب وهو يقول: لا أظن ذلك، إن الأمر لن يعدو
مجرد تنظيف التراب ووضع بعض الزيت هنا أو هناك، وعلى أقصى تقدير سنجد سلكا
مقطوعا أو مصباحا انتهى عمره وينبغي تغييره. كان يمكن أن نأتي متأخرين
وننهي عملنا قبل أن تفتح المدينة أبوابها. لا أعرف سر حبك للعمل في الصباح
الباكر.
لم يجب الأول، ولكنه أضاء المصباح الكهربائي الذي يحمله
وأخذ يبحث في أزرار التحكم الخاصة باللعبة عن زر فتح الإضاءة الداخلية. تلك
الإضاءة التي يستخدمها عمال النظافة وفنيو الإصلاح فقط، والتي تكون في
العادة مطفأة عندما يدخل القطار حاملا الركاب إلى داخل اللعبة. وهي إضاءة
موزعة بإهمال؛ بحيث تعطي للسائر على قدميه في داخل اللعبة شيئا يسيرا من
الضوء كي لا يصطدم بالتماثيل وقطع الألعاب المتحركة.
استمر الأول في
السير بالداخل بحثا عن اللعبة المعطوبة؛ بينما وقف الثاني عند لوحة
الأزرار الكهربائية ليتأكد من أن الكهرباء مقطوعة عن الأجهزة الميكانيكية
التي تحرك الألعاب لكي يتمكن رفيقه من فتح اللعبة وتنظيفها والتأكد من
وصلاتها الداخلية. بعد خمس دقائق كان الأول قد وجد السلك المقطوع وبدأ في
توصيله بشكل صحيح وقد بدا منهمكا في عمله والثاني يراقبه موجها مصباحه
الكهربائي إلى داخل اللعبة حيث يعمل الأول ويرى بالكاد من خلال الضوء
الضعيف للمصباح الصغير، فالإضاءة الداخلية لبيت الرعب لم تكن تصل جيدا إلى
تلك الزاوية.
فجأة صاح الثاني: توقف! لا تلمس الأسلاك بيدك!. نظر
الأول بدهشة إليه، وقال: لماذا؟ ألم نقطع التيار الكهربائي عن الألعاب؟ قال
الثاني وهو يشير بيده إلى لعبة في آخر الممر قبل الاستدارة التي تقود إلى
ممر آخر: يبدو أنهم قاموا بتغيير الأزرار، أو أن هناك خطأ ما؛ فاللعبة التي
هناك تعمل. حوّل الأول نظره نحو اللعبة التي كانت تتحرك بالفعل وتقوم
بحركات ساذجة؛ خاصة مع وجود الإضاءة. لاشك أن هذه اللعبة تبدو مخيفة في
الظلام عندما يكون القطار متحركا، وعندما يستدير بركابه يفاجأون بأنهم وجها
لوجه أمامها.
تمثال لساحر يبدو عليه الشر يمسك في يده سيفا رهيبا
وعيناه تدوران، ويداه تتحركان والسيف يهتز وكأنه سيسقط على الركاب في أي
لحظة. دعابة مرعبة لطيفة إن صح التعبير.
لكن لماذا تعمل هذه اللعبة
الآن؟ هناك خطأ في وصلات الكهرباء حتما. أحد العمال قليلي الخبرة قام
بتوصيل اللعبة مع نفس كهرباء الإضاءة الداخلية، ربما.. ولكن الرجلين لن
يخاطرا بلمس الأسلاك الكهربائية قبل التأكد من أنها معزولة تماما. تنهد
الأول وهو يقول: ناولني مفك الاختبار كي أتأكد مرة أخرى من أن الأسلاك التي
سأعمل عليها آمنة. ولكن الثاني لم يتحرك بل ظلت عيناه متسمرتين على اللعبة
التي كانت تتحرك في بلاهة تدعو للضحك أكثر من الخوف.
هم الأول
بالصراخ في وجه زميله لتنبيهه إلى الاهتمام بالعمل؛ ولكن رجفة سرت في بدنه
عندما انتبه إلى أن اللعبة موضوعة بشكل غريب، فهي لا تواجه القطار وركابه،
بل تواجههما! عقد العامل عينيه في محاولة للفهم، وترك الأسلاك التي في يده
وتطلع للعبة في صمت مع زميله. إن خبرتهما في مجال الملاهي لا تزال حديثة؛
فهما مجرد عاملي صيانة، وربما لم يركبا أي قطار رعب من قبل في حياتهما
البائسة. ولكن حركة تلك اللعبة كانت مثيرة بالنسبة لهما، لسبب بسيط: إن
اللعبة لا تتحرك بشكل ميكانيكي يكرر نفسه، ولكنها تتحرك بحرية تامة، اليدان
والسيف يتحركان في كل زاوية ممكنة؛ ولكن القدمين مثبتتان في الأرض أما
العينان فقد كانتا مركزتين عليهما بوضوح شديد، تتحركان قليلا ثم تعودان
للنظر إليهما.
ابتلع الثاني ريقه وهو يقول: سأنتظرك في الخارج، لا
أريد أن أبقى هنا. ولم ينتظر حتى يسمع رد زميله. دون أن أي كلمة التقطا
أدواتهما بخوف وعيونهم معلقة باللعبة وكأنهم يخشون أن تسير نحوهم. وقبل أن
يغادرا المكان دوت ضحكة رهيبة هزت بيت الرعب كله.. لم ينظر أي منهما خلفه؛
فقد كانا يعرفان مصدر الضحكة. تفاعل عشان اكمل القصه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق